تبدأ التنمية المستدامة بفكرة، وتنمو بالمبادرة والتدريب والتوجيه، حتى تزدهر وتتجسد على أرض الواقع. وتتحقق التنمية المستدامة عندما تتلاقى المسؤولية الاجتماعية مع الابتكار والمعرفة والتوجيه، وهذا هو جوهر عملنا في مؤسسة منار للمشاركة المجتمعية.
في هذا المقال نستعرض مفهوم التنمية المستدامة وأركانها، ونعرف العلاقة بين التنمية المستدامة والابتكار الاجتماعي.
ما هو المقصود بالتنمية المستدامة؟
يُقصد بالتنمية المستدامة، عملية التطوير الشاملة التي تهدف إلى تحقيق توازن بين التقدم الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والحفاظ على البيئة، بحيث تلبّي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
أي أن التنمية المستدامة رؤية طويلة الأمد، تقوم على مبدأ أن رفاه الإنسان لا يتحقق على حساب الأرض أو على حساب الآخرين، بل من خلال إدارة ذكية للموارد، وتعاون مجتمعي يوازن بين النمو والاستدامة.
وبشكل أكثر تفصيلًا، لنلقي نظرة على كلمة التنمية المستدامة.
ما معنى كلمة التنمية المستدامة؟
يتكوّن مصطلح التنمية المستدامة من كلمتين أساسيتين تعبّران عن جوهرها:
- التنمية: وتعني النمو والتطور والتحسين المستمر في مستوى المعيشة والخدمات والموارد.
- الاستدامة: وتعني الاستمرار دون انقطاع، أي تحقيق النمو مع الحفاظ على الموارد وعدم استنزافها.
وبذلك، نفهم أن التنمية المستدامة تعبّر عن السعي نحو بناء حاضر مزدهر لا يهدد مستقبل الأجيال المقبلة، عبر ممارسات اقتصادية واجتماعية وبيئية متوازنة.
ما هي أركان التنمية المستدامة؟
اتُفق عالميًا على ثلاثة أركان رئيسية تشكل مثلث التنمية المستدامة. فأي استدامة في التنمية لابد أن ترتكن إلى:
- الركن الاقتصادي: يُعنى بتحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وتعزيز الإنتاج دون الإضرار بالبيئة أو استنزاف الموارد.
- الركن الاجتماعي: يركّز على العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص وتحسين جودة حياة الأفراد من خلال التعليم والصحة والكرامة الإنسانية.
- الركن البيئي: يهتم بالحفاظ على البيئة الطبيعية من خلال تقليل التلوث، وترشيد استهلاك الموارد، وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة.
ويعتبر التفكير الشامل والمتكامل بالأبعاد الثلاثة أمرًا ضروريًا في التنمية المستدامة. فالقرارات والسياسات لابد أن تأخذ بعين الاعتبار الأركان الثلاثة للتنمية. والمجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، لابد أن تراعي تلك الأركان الثلاثة في التخطيط والتنفيذ.
المبادئ الرئيسية للتنمية المستدامة
إلى جانب تحديد الأركان الأساسية للتنمية المستدامة، هناك مجموعة من المبادئ الرئيسية التي تسعى إلى تحقيق توازن شامل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية. يمكن توضيح المبادئ الرئيسية للتنمية المستدامة كالتالي:
- التكامل في جوانب التنمية اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا لتحقيق الاستدامة. فلابد من التكامل والتفاعل بين الجوانب الثلاثة، وأن تعمل معًا وليس بشكل منفصل.
- التنوع في الاستراتيجيات والآليات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات.
- التوازن بين احتياجات الأجيال، وهو أمر أساسي في فكرة التنمية المستدامة. فلابد من التوازن بين احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال القادمة. ويجب أن تتم التنمية بشكل يحافظ على الموارد والبيئة للأجيال القادمة.
- ضمان العدالة الاجتماعية في توزيع الفرص والموارد. فالتنمية المستدامة تسعى للحد من الفقر والتفاوتات الاجتماعية، وتعزز المساواة بين الجميع.
- تفعيل الحوكمة الشفافة، التي تشمل المشاركة الفعالة للمواطنين والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص.
- الكفاءة والاستدامة الاقتصادية من خلال تعزيز الاقتصادات المستدامة والفعالة في استخدام الموارد وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. من المهم أن تعتمد النماذج الاقتصادية على تقنيات وعمليات تقلل من استهلاك الموارد وتحافظ على التوازن البيئي.
من خلال ما سبق، نستنتج أن التنمية المستدامة تتكون من اقتصاد مستدام، وبيئة مستدامة، ومجتمع مستدام، وحوكمة مستدامة، وتكنولوجيا مستدامة.
أهمية التنمية المستدامة
لم تعد التنمية المستدامة مجرد توجه عالمي، بل رؤية متكاملة تسعى إلى تحقيق توازن حقيقي بين الإنسان والبيئة والاقتصاد. فهي الاستجابة الفاعلة للتحديات التي تواجه مجتمعاتنا، وطريقنا نحو مستقبلٍ مزدهرٍ للأجيال القادمة. وتكمن أهمية التنمية المستدامة في:
1. الإدارة الرشيدة للموارد:
تعمل التنمية المستدامة على حماية الموارد الطبيعية واستثمارها بوعي ومسؤولية، لضمان استمرارها وتجنب نضوبها. إنها دعوة لتبنّي أنماط استهلاك وإنتاج تحافظ على البيئة وتخدم الأجيال المقبلة.
2. مواجهة التلوث والتغير المناخي:
من خلال اعتماد ممارسات خضراء وتقنيات نظيفة، تُسهم التنمية المستدامة في الحد من التلوث وتقليل الانبعاثات الكربونية، ما ينعكس مباشرة على صحة المجتمعات واستقرار البيئة.
3. الحد من الفقر وتعزيز جودة الحياة:
تسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في آنٍ واحد، عبر توفير فرص عمل لائقة وتحسين التعليم والرعاية الصحية والإسكان، بما يضمن حياة كريمة للجميع.
4. العدالة والمساواة:
تُعزّز التنمية المستدامة قيم العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، وتضمن توزيعًا متوازنًا للفرص والموارد. فهي لا تترك أحدًا خلف الركب، بل تدعو الجميع للمشاركة في صناعة المستقبل.
5. استدامة الأثر على المدى الطويل:
تُعد التنمية المستدامة رؤية طويلة الأمد لبناء مستقبل قائم على الابتكار والتعاون والمسؤولية. من خلال الاستثمار في الإنسان والبيئة، نضمن أن تبقى التنمية ممكنة، عادلة، ومؤثرة لأجيال قادمة.
التنمية المستدامة في رؤية مؤسسة منار
ترى مؤسسة منار أن تحقيق التنمية المستدامة يبدأ من الإنسان. أي من وعيه، ومسؤوليته، وقدرته على التفكير والابتكار. فقد استشعرت مؤسسة منار أهمية تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي تهدف إلى تحقيق ازدهار المجتمعات، وجعلتها من الأبعاد الاستراتيجية لأهداف المؤسسة.
نكرس كل إمكانياتنا ومنصاتنا وبرامجنا من أجل خدمة المجتمعات وتنميتها، انطلاقًا من أهداف التنمية المستدامة، اعتمادًا على امتلاك المؤسسة للأدوات اللازمة لذلك. ونسعى من خلال خدماتنا أن نعالج مشكلة أو نوفر احتياجًا في منطقة معينة تحتاج تدخلًا، في الدول النامية أو المجتمعات الهشّة.
وبشكل أكثر تفصيل، تعزز مؤسسة منار التنمية المستدامة من خلال:
- تعزيز ثقافة المسؤولية المجتمعية.
- دعم الأفكار الشبابية الإبداعية.
- بناء قدرات الأفراد ليكونوا فاعلين في تطوير بيئتهم ومجتمعاتهم.
- تشجيع التعاون بين المؤسسات لتحقيق الأثر المستدام.
- تسخير البرامج والمنصات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الابتكار الاجتماعي داعم أساسي للتنمية المستدامة
يشير الابتكار الاجتماعي إلى ابتكار حلول وأساليب جديدة، أكثر فاعلية وتأثير، لمعالجة التحديات المجتمعية وتحسين حياة الناس. وفي عالم يتسارع فيه التغير الاقتصادي والتكنولوجي، أصبح الابتكار الاجتماعي الأداة الأكثر تأثيرًا لتحقيق التنمية المستدامة.
فكما غيّرت التقنيات الحديثة عالمنا نحو الأفضل، تُغير الحلول الاجتماعية المبتكرة واقع المجتمعات أيضًا، خاصة في مشاكل عميقة ومتراكمة مثل الفقر وتحديات التعليم والبطالة وقضايا البيئة.
أهمية الابتكار الاجتماعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
بما أن الابتكار الاجتماعي يبحث عن حلول جديدة للتحديات والمشاكل، فهو أداة أساسية للتنمية.
- الابتكار الاجتماعي يفتح أمام رواد الأعمال أصحاب الأفكار الخلّاقة لتأسيس مشاريع تحقق أثرًا اجتماعيًا وبيئيًا واقتصاديًا مستدامًا.
- ويطور الابتكار الاجتماعي أساليب وأدوات وأنظمة جديدة، تسرع عجلة التنمية المستدامة، مع أفضل استثمار للموارد.
- كما يحسن جودة الحياة في المجتمعات، وهو ما ترمي إليه أهداف التنمية المستدامة.
ولعلك هنا تتساءل..
كيف يلتقي الابتكار الاجتماعي مع التنمية المستدامة؟
إليك إجابة مستوحاة من أمثلة عملية، تبين كيف يدعم الابتكار الاجتماعي التنمية المستدامة.
- في البيئة: مبادرات شبابية لتحويل النفايات إلى منتجات قابلة للاستخدام.
- في الاقتصاد: مشاريع اجتماعية توفّر فرص عمل مستدامة في المجتمعات المحلية.
- في التعليم: منصات رقمية تقدم فرص تعلم مجانية للمناطق المهمشة، أو لبعض الفئات الخاصة.
- في الصحة: تطبيقات ذكية لتحسين الوصول إلى الخدمات الطبية.
الأمثلة السابقة، تمثل نماذج واقعية للابتكار الاجتماعي الذي يخدم التنمية المستدامة، ويحوّل الأفكار إلى أثر ملموس يغيّر حياة الأفراد والمجتمعات.
تحديات أمام الابتكار في التنمية المستدامة
لا يزال الابتكار في التنمية المستدامة يواجه تحديات عدة، تجعله غير قابل للتطبيق بأريحية في العديد من المجتمعات. من التحديات أمام الابتكار في التنمية المستدامة:
- الخوف من الانفتاح على الأفكار المبتكرة، خاصة في المجتمعات محدودة الموارد. فلا تجد مبادرات حكومية داعمة، ولا تجد تمويل كافي يدعم الأفكار الجديدة.
- غياب للأطر التنظيمية الواضحة والسياسات التي تحول الابتكار والتنمية المستدامة من مجرد مصطلحات نظرية إلى حقيقة مُطبّقة. في الكثير من المجتمعات، لا يجد المبتكرين حاضنة لأفكار ومشاريعهم كي يساهموا في التنمية المستدامة.
- ضعف ثقافة الابتكار في بعض القطاعات، ما يتطلب حملات توعية ممنهجة لأهمية الابتكار في التنمية المستدامة.
الابتكار الاجتماعي في مؤسسة منار
تُعد مؤسسة منار نموذجًا عمليًا في هذا المجال، حيث تسعى إلى بناء جيل من المبدعين الذين يساهمون في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، عبر برامج تدريبية ومختبرات ابتكار اجتماعي.
في هذه المساحات، يجد الشباب البيئة المثالية لتطوير أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع ومبادرات تنموية تخدم المجتمع.
ففي مختبراتنا الإبداعية، نمنح الشباب الفرص لابتكار حلول عملية تخدم التنمية المستدامة في مجتمعاتهم عبر مراحل عدة تشمل: التفكير المنظم والتدريب على التخطيط والتنفيذ، والتشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني، ودعم تحويل الفكرة إلى مبادرة واقعية ذات أثر.
ومن خلال تبنّي مفاهيم الابتكار الاجتماعي والمشاركة المجتمعية الفاعلة، تعمل مؤسسة منار على تحويل الأفكار إلى مبادرات مؤثرة، تحقق أهداف التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية. وتجسّد برامجنا ومنصاتنا التفاعلية هذا الالتزام عبر دعم الشباب، وتمكين الفرق التطوعية، وتحفيز المؤسسات على تبنّي المسؤولية المجتمعية كجزء من مسار التنمية الشاملة.



