كن جزءًا من الحكاية! شاركنا جلسات حكايا أثر، واستلهم من التجارب التي صنعت التغيير في عالمنا العربي.

خصائص التنمية المستدامة: ما الذي يجعلها مختلفة عن التنمية التقليدية؟

تعرّف على خصائص التنمية المستدامة، ودور المؤسسات والمجتمعات في ترسيخها، مع تسليط الضوء على أمثلة واقعية في بلاد الشام، ودور منار في تعزيزها.

صورة لرمز اللانهاية يحتوي على رموز بيئية مثل الطاقة الشمسية وطواحين الرياح وعناصر CO2، في سياق خريطة العالم. تعكس الصورة خصائص التنمية المستدامة وتُبرز كيف أن تعريف التنمية المستدامة يعتمد على التوازن بين البيئة والمجتمع والاقتصاد، ضمن رؤية طويلة الأمد لتحقيق تنمية مستدامة عالمية وعادلة.

التنمية ليست مجرد نمو اقتصادي سريع أو زيادة إنتاج، بل هي قدرة المجتمعات على بناء مستقبل متوازن للأجيال اللاحقة. وفي هذا السياق، بات من الضروري أن نفهم الفرق بين التنمية التقليدية والتنمية المستدامة. فالأولى تركز غالبًا على النمو السريع دون مراعاة تأثيره على البيئة أو المجتمع، بينما تسعى التنمية المستدامة إلى بناء مستقبل أفضل وخلق نموذج يحقق الاستمرارية والعدالة.

في هذا المقال، نستكشف خصائص التنمية المستدامة، ودور المؤسسات والمجتمعات في ترسيخها، مع تسليط الضوء على أمثلة واقعية في بلاد الشام، ودور منار في تعزيزها.

ما هو تعريف التنمية المستدامة؟

تعرف التنمية المستدامة على أنها نهج يُوازن بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، بحيث تُلبّى احتياجات الجيل الحالي، مع ضمان حماية البيئة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية ومراعاة العدالة الاجتماعية لجميع شرائح المجتمع. 

ونستنتج من هذا التعريف أن التنمية المستدامة:

  • ليست مقصورة على بُعد واحد، فهي تجمع بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة لصياغة تنمية متوازنة.
  • توازن بين حاضرنا ومستقبلنا، حيث تلبّي احتياجاتنا اليوم دون المساس بفرص وحقوق الأجيال المقبلة.
  • تؤكد أن التنمية حق إنساني وبيئي وضمان لكرامة وصحة وبيئة الجيل الحالي والمقبل.
"التنمية المستدامة ليست مقصورة على بُعد واحد، فهي تجمع بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة لصياغة تنمية متوازنة."

ما هو الهدف من التنمية المستدامة؟

بحسب الأمم المتحدة، يتمثّل الهدف الرئيسي للتنمية المستدامة في ضمان رفاه الإنسان وحماية الكوكب، من خلال تحقيق توازن شامل بين الإنسان والاقتصاد والبيئة، واعتماد استراتيجيات متنوعة تراعي الاختلافات بين المجتمعات. 

وتسعى التنمية المستدامة إلى ضمان حقوق الأجيال القادمة عبر إدارة واعية للموارد، وتعزيز العدالة الاجتماعية وتوزيع الفرص بشكل منصف، إلى جانب ترسيخ مبادئ المشاركة المجتمعية، بما يضمن استمرار التنمية وازدهار المجتمعات على المدى الطويل.

ما هي فوائد التنمية المستدامة؟

تتلاقى فوائد التنمية المستدامة مع الهدف منها، وهذا يعني حماية البيئة وتعزيز جودة حياة الإنسان عبر إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، بالإضافة إلى دعم الاقتصاد الذي يعتمد بصورة جوهرية على خدمات النظم البيئية ووفرة الموارد، وكذلك تعزيز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

وتبرز فوائد التنمية المستدامة من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية:

  • بيئيًا: الحفاظ على الموارد، وتقليل التلوث والانبعاثات، ومواجهة تغيّر المناخ، وحماية التنوع البيولوجي، وتعزيز مدن وممارسات أقل أثرًا على الطبيعة.
  • اجتماعيًا: ترسيخ المساواة والعدالة، وتحسين جودة الحياة والخدمات الأساسية، والحد من الفقر والهشاشة، وتنمية مجتمع أكثر ترابطًا وقدرة على التكيف.
  • اقتصاديًا: تحقيق نمو مستقر وتنافسية أعلى، وتقليل التكاليف طويلة المدى عبر التقنيات النظيفة، وخلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات بفضل وضوح السياسات واستدامة الموارد.

وبهذا، تشكّل التنمية المستدامة إطارًا تكامليًا يجمع الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لتقديم نموذج تنموي أكثر توازنًا وإنصافًا.

ما هي خصائص التنمية المستدامة؟

مع تزايد التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية عالميًا، أصبحت خصائص التنمية المستدامة عنصرًا محوريًا لفهم كيفية بناء نماذج تنموية أكثر عدلاً ومرونة واستمرارية. وبخلاف التنمية التقليدية التي تركز على الجانب الاقتصادي فقط، تتبنى التنمية المستدامة الأبعاد الثلاثة لها بحيث لا يزدهر أحدها على حساب الآخر.

"بخلاف التنمية التقليدية التي تركز على الجانب الاقتصادي فقط، تتبنى التنمية المستدامة الأبعاد الثلاثة لها بحيث لا يزدهر أحدها على حساب الآخر."

ويمكن استعراض أهم خصائص التنمية المستدامة كالآتي:

  • الشمولية والتكامل: تشمل التنمية المستدامة جميع القطاعات بشكل متوازن، فتنمية المجتمع يجب أن تكون شاملة لا انعزالية. 
  • الاستمرارية: لا تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق مكاسب سريعة، بل تعدّ خطة تأخذ بعين الاعتبار حقوق الأجيال القادمة، وتعمل على استدامة الموارد عبر الزمن. 
  • التوازن بين الأبعاد الثلاثة (الاقتصادي، الاجتماعي، والبيئي): وهذا أبرز ما يميّزها عن التنمية التقليدية كما أشرنا سابقًا، إذ أنها لا تركّز على النمو الاقتصادي فقط، بل تولي أهمية للحفاظ على البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
  • استخدام رشيد للموارد الطبيعية: أحد الركائز الأساسية للتنمية المستدامة هو إدارة الموارد دون استنزافها من أجل ضمان بقائها والاستفادة منها للأجيال القادمة. 
  • العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص: تسعى التنمية المستدامة لتوفير فرص متكافئة في التعليم والصحة والعمل، والعيش الكريم لكل فئات المجتمع. 
  • المسؤولية البيئية والاجتماعية: تأخذ التنمية المستدامة في الاعتبار تأثير الأنشطة الاقتصادية على البيئة والمجتمع، وتسعى لتقليل الأضرار، وتعزيز احترام الطبيعة، وضمان حقوق الإنسان، وتحقيق التوازن بين مصلحة الإنسان والمحيط الحيوي. 
  • المرونة والتخطيط طويل الأجل: إن التنمية المستدامة تتميز بالمرونة وقدرتها على التكيف والتخطيط، بالإضافة إلى تطوير ممارساتها بحسب متغيرات المناخ والبيئة والاقتصاد واحتياجات المجتمع.
  • عالمية النطاق: تتطلب تكاتف الجهود على المستوى العالمي لتنفيذ أهدافها المشتركة.

لماذا تُعدّ هذه الخصائص مهمة؟

  • لأنها توجّه التنمية نحو المستقبل من خلال ضمان استخدام رشيد للموارد يمنع استنزافها ويحفظ حقوق الأجيال القادمة.
  • لأنها تضمن تحقيق تنمية عادلة وشاملة ومتوازنة. 
  • لأنها ترفع جودة الحياة والاستقرار الاجتماعي عبر تعزيز العدالة وتكافؤ الفرص وتمكين أفراد المجتمع.
  • لأنها تقلل المخاطر والتكاليف طويلة المدى من خلال الحد من التلوث، وزيادة كفاءة الإنتاج، وتشجيع الحلول الصديقة للبيئة.
  • لأنها تعزز المرونة والقدرة على مواجهة الأزمات بفضل التخطيط بعيد المدى واعتماد أنماط تنمية قابلة للاستمرار.
  • لأنها تفتح المجال لشراكات أكثر فاعلية بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، مما يوسّع نطاق الأثر ويحسّن النتائج.

ما هو دور المؤسسات والمجتمعات في ترسيخ خصائص التنمية المستدامة؟

أولًا: دور المؤسسات (سواء كانت حكومية أو من منظمات المجتمع المدني): 

تعمل على صياغة وتنفيذ سياسات وخطط تنموية تراعي الأبعاد الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية معًا، مما يضمن تكاملًا واستمرارية في النتائج. فعلى سبيل المثال، تُظهر دراسات تحليلية أن الجمعيات الأهلية تمكِّن من تحقيق تنمية مستدامة عند إشراكها في مجالات مثل التعليم وتمكين المرأة ومكافحة الفقر. 

"تُظهر دراسات تحليلية أن الجمعيات الأهلية تمكِّن من تحقيق تنمية مستدامة عند إشراكها في مجالات مثل التعليم وتمكين المرأة ومكافحة الفقر."

ثانيًا: المجتمع المحلي (أفراد وجماعات): 

إن مشاركة الناس في صنع القرار وتبني سلوكيات مسؤولة تجاه البيئة، يعزّزان من الشفافية والمساءلة. كما أن مشاركة المجتمعات في برامج مثل محو الأمية ودعم الفئات المهمشة، تساعد في ضمان أن التنمية لا تكون رهنًا بدعم مؤقت، بل تُرسّخ كنهج حياة قادر على الصمود أمام التحديات. 

ثالثًا: دور مؤسسة منار للمشاركة المجتمعية:

تلعب منار دورًا فاعلًا في ترسيخ خصائص التنمية المستدامة من خلال برامجها ومبادراتها المجتمعية، إذ تدعم الشباب والمؤسسات في مشاريع تعزز المساواة وحماية البيئة وتمكين الفئات المهمشة، كما تشجع على الابتكار في إدارة المشاريع والممارسات الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وبذلك، تُظهر منار كيف يمكن للمؤسسات الفاعلة أن تكون شريكًا أساسيًا في بناء مستقبل متوازن ومستدام.

بهذه الطريقة، يشكّل التعاون بين المؤسسات والمجتمع المدني أساسًا حقيقيًا لـتنمية مستمرة وعادلة ومستعدة لمواجهة المستقبل.

ما الذي يجعل التنمية المستدامة تختلف عن التنمية التقليدية؟

تركّز التنمية التقليدية عادةً على تحقيق النمو الاقتصادي السريع دون الاهتمام الكافي بتأثيرات هذا النمو على الموارد الطبيعية أو العدالة الاجتماعية، فهي تهدف إلى زيادة الإنتاج والدخل في المدى القصير، حتى لو جاء ذلك على حساب البيئة أو على حساب الفئات المهمشة. ومع مرور الوقت، ظهر بوضوح أن هذا النمو لا يمكن أن يستمر بنفس الوتيرة لأنه يستنزف الموارد ويعمّق الفجوات داخل المجتمعات.

مثال على التنمية التقليدية: مشاريع بناء السدود في بعض الدول العربية.

في العديد من الدول، ركّزت المشاريع التقليدية لبناء السدود على زيادة الإنتاج الزراعي والكهرباء سريعًا، وهو ما حقق مكاسب اقتصادية قصيرة المدى. لكن هذه المشاريع غالبًا تجاهلت الأثر البيئي والاجتماعي طويل المدى، حيث أدى حجز المياه إلى تغيّر أنماط الأنهار، وفقدان التنوع البيولوجي، وتشريد بعض المجتمعات المحلية، وتآكل الأراضي الزراعية أسفل السدود بسبب ضعف تدفق الطمي الطبيعي.

لو تم تصميم هذه المشاريع وفق مبادئ التنمية المستدامة، لكان يمكن:

  • تحقيق التوازن بين إنتاج الطاقة والزراعة وحماية البيئة.
  • ضمان مشاركة المجتمعات المحلية في التخطيط واتخاذ القرار، مما يقلل آثار النزوح.
  • تطبيق تقنيات للحفاظ على التنوع البيولوجي وإدارة المياه بشكل فعال، بحيث تُستدام الفوائد للأجيال القادمة.

أما خصائص التنمية المستدامة، فتتميّز بأنها تنظر إلى التنمية كمنظومة مترابطة تجمع بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع في إطار واحد. فهي لا تركز على "الكم" فقط، بل على جودة التنمية واستمراريتها عبر الأجيال. 

"تتميّز خصائص التنمية المستدامة بأنها تنظر إلى التنمية كمنظومة مترابطة تجمع بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع في إطار واحد."

وإليك هذه الأمثلة العملية لكيفية ترجمة مفهوم التنمية المستدامة إلى ممارسات ملموسة في بلاد الشام:

  • مشروع LEAD - الأردن: أُطلق في بلدة صغيرة في محافظة معان، ويركّز على الأمن المائي والزراعة المستدامة وتعزيز سُبل العيش المحليّة في بيئة تعرضت لجفاف وتغير مناخي.
  • مركز حماية الطبيعة – لبنان: الجامعة الأميركية في بيروت: تأسس المركز في الجامعة الأمريكية ببيروت، وينفّذ برامج بيئية متنوعة مثل زراعة الأشجار،وحماية التنوع البيولوجي، وحملات توعية بيئية. وعبر هذه الأنشطة، يساهم المركز في تعزيز ثقافة استدامة البيئة، ويُظهر أن المؤسسات الأكاديمية والمجتمعية يمكن أن تكون جزءًا فعالًا من جهود التنمية المستدامة.
  • مشاريع بيئية مجتمعية (مثل مبادرات “Green Palestine”) - فلسطين: تم تنفيذها في الضفة الغربية، ومنها تنظيم لجان بيئية محلية شاركت في زراعة آلاف الأشجار، ودعم التنوع البيولوجي، وتشجيع أساليب معيشية صديقة للبيئة في المجتمعات المحلية.
  • قرية Jinwar - سوريا: وهي قرية نسوية ذات إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا، تُبنى على مبدأ الاكتفاء الذاتي والاستدامة كمكان آمن للنساء والأطفال، يحاول خلق مجتمع أكثر عدالة واستدامة في بيئة مضطربة.

وتُظهر هذه النماذج من بلاد الشام أن التنمية المستدامة ليست مجرد فكرة نظرية، بل هي فكرة عملية قابلة للتطبيق حتى في ظل الصعوبات والقيود السياسية والاقتصادية، وذلك في حال توفّرت الإرادة ومشاركة المجتمع ككل.

ختامًا، يمكن تحويل التحديات إلى فرص حقيقية للتغيير من خلال الاستفادة من خصائص التنمية المستدامة، ومع مشاركة المؤسسات والمجتمعات المحلية، يصبح الطريق نحو التنمية المستدامة أكثر وضوحًا وفاعلية، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

فريق التحرير

مؤسسة منار للمشاركة المجتمعية
December 29, 2025
النشرة البريدية

اشترك بالنشرة البريدية

اشترك في نشرتنا البريدية لتصلك أحدث المقالات، والفرص المجتمعية، والبرامج التفاعلية من مؤسسة منار.

Thanks for joining our newsletter.
Oops! Something went wrong while submitting the form.