يواجه عالمنا اليوم تحديات كبيرة، من الفقر وتغير المناخ إلى عدم المساواة، وتتطلب مواجهتها نهجًا شاملًا ومستدامًا. والتنمية المستدامة، بحسب رؤية مؤسسة منار، ليست مجرد هدف، بل إطار تشاركي يوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويؤكد أن التغيير الحقيقي يبدأ بالعمل التطوعي والمسؤولية المجتمعية.
في هذا المقال، نستعرض أهمية التنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر، ونوضح كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف لتعزيز جودة حياة الإنسان وبناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
ما هي التنمية المستدامة؟
تُعرف التنمية المستدامة على أنها نهج تنموي يهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة، بحيث يُلبَّى احتياج الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. وهي خطوات عملية يمكن لكل شاب وشابة المشاركة فيها، من حماية البيئة إلى تحسين حياة المجتمعات، إذ أنها رؤية طويلة المدى تعتمد على إدارة ذكية للموارد وتعاون مجتمعي يطوّر بيئة معيشية أفضل للإنسان دون الإضرار بالآخر.
"التنمية المستدامة، بحسب رؤية مؤسسة منار، ليست مجرد هدف، بل إطار تشاركي يوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية."
ما المقصود بالتنمية المستدامة 2030؟
إن أجندة التنمية المستدامة 2030 هي خطة عالمية اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015 لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة بين الإنسان والبيئة والاقتصاد. تشمل الأجندة 17 هدفًا رئيسيًا للتنمية المستدامة (SDGs) مع أكثر من 160 مقصدًا محددًا لكل هدف، تهدف جميعها إلى تحسين حياة البشر وحماية كوكب الأرض. ويركّز هذا الإطار على العمل المشترك بين الدول والمؤسسات والمجتمع المدني لضمان تحقيق أثر طويل الأمد للأجيال الحالية والمستقبلية.
ما هي أهمية التنمية المستدامة؟
- ضمان الإدارة المسؤولة للموارد الطبيعية وحماية البيئة.
- دعم النمو الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل وتحسين الخدمات الأساسية.
- تعزيز جودة الحياة عبر بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وشمولًا.
- ترسيخ العدالة وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات المختلفة.
- تحقيق أثر طويل الأمد قائم على الابتكار والتعاون والمسؤولية المجتمعية.
ماذا عن رؤية مؤسسة منار؟
انطلاقًا من خبرة مؤسسة منار في دعم المبادرات المجتمعية والتنموية، تؤمن المؤسسة بأن تحقيق التنمية المستدامة يبدأ من الإنسان نفسه، عبر وعيه ومسؤوليته وقدرته على الابتكار، لذلك تكرّس منصاتها وبرامجها لتعزيز ثقافة المسؤولية المجتمعية، ودعم الأفكار الشبابية الإبداعية، وبناء قدرات الأفراد ليكونوا فاعلين في تطوير مجتمعاتهم، وتشجيع التعاون بين المؤسسات لتحقيق أثر مستدام، بما يسهم في تمكين الشباب وازدهار المجتمعات وخدمة المناطق الأكثر حاجة.
ما هو الهدف من التنمية المستدامة؟
يتمثّل الهدف الرئيسي للتنمية المستدامة بحسب الأمم المتحدة، في ضمان رفاه الإنسان وحماية الكوكب من خلال تحقيق توازن شامل بين الإنسان والاقتصاد والبيئة، وعبر تكامل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في عملية التطوير، واعتماد استراتيجيات متنوعة تراعي الاختلافات بين المجتمعات. وتسعى التنمية المستدامة إلى ضمان حقوق الأجيال القادمة عبر إدارة واعية للموارد، وتعزيز العدالة الاجتماعية وتوزيع الفرص بشكل منصف، إلى جانب ترسيخ مبادئ المشاركة المجتمعية، بما يضمن استمرار التنمية وازدهار المجتمعات على المدى الطويل.
"تسعى التنمية المستدامة إلى ضمان حقوق الأجيال القادمة عبر إدارة واعية للموارد، وتعزيز العدالة الاجتماعية وتوزيع الفرص بشكل منصف، إلى جانب ترسيخ مبادئ المشاركة المجتمعية."
ما هي أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر؟
الهدف الأول: القضاء على الفقر:
وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة والبنك الدولي، يعاني أكثر من مليار شخص من الفقر، وقرابة 700 مليون شخص من الفقر المدقع، أي ما يعادل حوالي 8.5% من سكان العالم، حسب بيانات عام 2024.
وتشمل أسباب الفقر الرئيسية البطالة، والاستبعاد الاجتماعي، وارتفاع معدل تعرض بعض السكان للكوارث والأمراض - كجائحة كورونا -، وغيرها من الظواهر التي تمنعهم من أن يكونوا منتجين.
وبحسب مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فإنه يمكن للتنمية المستدامة أن تعمل على معالجة الفقر من خلال مشاركة المجتمع والأفراد في صنع السياسات، وتشجيع الابتكار الذي يعد داعم أساسي للتنمية، ودعم التفكير النقدي والتغيير في حياة الناس والمجتمعات.
كما يظهر دور الحكومات والقطاع الخاص في تحقيق القضاء على الفقر من خلال تهيئة بيئة مواتية لخلق فرص توظيف وعمل تخدم مصلحة الفقراء.
وتوفر مؤسسة منار من خلال منصاتها الدعم الفني والتدريب للأفراد والفرق التطوعية، مما يمكّنهم من إطلاق مبادرات تطوعية مبتكرة تخدم الفئات المهمّشة وتستهدف التحديات المجتمعية مثل الفقر والاحتياج. فعلى سبيل المثال، تقوم منصة ساري عبر مشاريعها بتنسيق الجهود بين المتطوعين والمؤسسات والشركات لتعزيز المسؤولية المجتمعية، ما يسهم في توجيه موارد تطوعية نحو تقديم دعم فعّال للفقراء من خلال حملات إغاثية، برامج الدعم النفسي والاجتماعي، والمبادرات التنموية المحلية.
وباستخدام شبكة كبيرة من المتطوعين المدربين وشركاء المؤسسات، تضمن مؤسسة منار أن تكون المبادرات قادرة على خلق أثر مستدام يقلّل من الفقر عبر تمكين الأفراد وتقديم الدعم المادي والمعنوي للمجتمعات الأكثر حاجة.
الهدف الثاني: القضاء على الجوع:
يعجز 2 مليار شخص في العالم عن الحصول بشكل منتظم على الغذاء الآمن والمغذي والكافي وفقًا للأمم المتحدة، ومن المتوقع أن يواجه أكثر من 600 مليون شخص في جميع أنحاء العالم الجوع في عام 2030. وتشكّل مسألة الجوع وانعدام الأمن الغذائي نتيجة الأمراض والصراعات وعدم المساواة عائقًا أمام التنمية المستدامة، كونها تمنع الأفراد من الإنتاجية وتحسين سبل حياتهم.
ويمكن تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة من خلال مجموعة من التدخلات المتكاملة التي توصي بها منظمات دولية مثل الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، ويشمل ذلك تعزيز الإنتاج الزراعي المستدام عبر تحسين تقنيات الزراعة، وتمكين صغار المزارعين من الحصول على الموارد والتقنيات الحديثة، وضمان وصول الغذاء إلى الفئات الأكثر ضعفًا من خلال شبكات حماية اجتماعية فعّالة.
كما تُسهم المشاركة المجتمعية بشكل مباشر في تحقيق ذلك كونها تلعب دورًا محوريًا في نشر الوعي حول الاستهلاك الغذائي المسؤول وتشجيع المنتجات المحلية ودعم صغار المزارعين، بالإضافة إلى جهودها الجماعية المنظمة القائمة على دعم المبادرات وتمكين الشباب والنساء من مهارات الزراعة المستدامة، ليصبح القضاء على الجوع هدفًا ممكنًا وقابلًا للتحقق ضمن رؤية 2030.
"تشكّل مسألة الجوع وانعدام الأمن الغذائي نتيجة الأمراض والصراعات وعدم المساواة عائقًا أمام التنمية المستدامة، كونها تمنع الأفراد من الإنتاجية وتحسين سبل حياتهم."
الهدف الثالث: الصحة الجيدة والرفاه:
يواجه ملايين الأشخاص فجوات كبيرة تمنعهم من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. ولتحقيق هذا الهدف، تؤكد الأمم المتحدة على ضرورة معالجة الفوارق الصحية عبر الاستثمار في النظم الصحية، وتحسين جودة الخدمات، وتعزيز التوعية بأنماط الحياة الصحية.
وتلتزم أهداف التنمية المستدامة بالقضاء على الأوبئة مثل الإيدز والسل والملاريا بحلول 2030، من خلال توسيع التغطية الصحية الشاملة وتوفير الأدوية واللقاحات المأمونة وبأسعار ميسورة. ويمكن للأفراد دعم هذا الهدف عبر اتخاذ خيارات صحية واعية، والتطعيم، ونشر الوعي داخل المجتمع، إضافة إلى مساءلة صناع القرار لضمان تحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية خاصة للفئات الأكثر هشاشة.
الهدف الرابع: التعليم الجيد:
إن تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة بالحصول على التعليم الجيد، سيسمح بتحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة الأخرى، كونه يمكّن الناس من الخروج من دائرة الفقر.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن حوالي 84 مليون طفل وشاب لن يتمكنوا من دخول المدرسة بحلول 2030 في حال لم يتمكّنوا من الحصول على التعليم الجيد.
ولتحقيق ذلك، يجب توفير فرص متساوية للحصول على التدريب المهني بأسعار معقولة، والقضاء على التمييز على أساس النوع الاجتماعي والثروة، وتحقيق الوصول الشامل إلى التعليم العالي الجيد.
"يجب توفير فرص متساوية للحصول على التدريب المهني بأسعار معقولة، والقضاء على التمييز على أساس النوع الاجتماعي والثروة، وتحقيق الوصول الشامل إلى التعليم العالي الجيد."
الهدف الخامس: المساواة بين الجنسين:
إن الفجوات بين الجنسين تحدّ من الإمكانات وتعيق التقدم الاجتماعي. فوفقًا لتقارير الأمم المتحدة، لا تزال المرأة عالميًا تتقاضى أجورًا أقل بنسبة تقارب 23% مقارنة بالرجل، وتتحمل نحو ثلاثة أضعاف أعباء الرعاية والعمل المنزلي غير المدفوع. ويؤكد الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة على أن تمكين النساء والمساواة بين الجنسين عنصران أساسيان لتحقيق تنمية عادلة وشاملة.
ويمكن دعم هذا الهدف من خلال تعزيز فرص التعليم للفتيات، وتحسين الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وتشجيع النساء والرجال على مواجهة التحيزات المجتمعية وتعزيز علاقات قائمة على الاحترام والمساواة.
وتعمل مؤسسة منار من خلال مشروع "حكايا أثر" على تعزيز المساواة بين الجنسين من خلال تسليط الضوء على قصص نساء ملهمات كان لهنّ الدور في التغيير وإحداث أثر في مجتمعاتهن، كما تعمل من خلال برامجها على تفعيل دور النساء في القيادة واتخاذ القرار داخل المبادرات المجتمعية، والتشجيع على التغيير الثقافي من خلال الحوار والتعلم.
الهدف السادس: المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي:
يمثّل تزايد الطلب العالمي على المياه نتيجة النمو السكاني والتوسع الحضري والاحتياجات المتصاعدة للزراعة والصناعة تحديًا كبيرًا لتحقيق الأمن المائي، إذ تشير التقديرات إلى أن مليارات الأشخاص قد يفتقرون إلى خدمات المياه الأساسية بحلول عام 2030.
ولضمان الوصول إلى مياه شرب آمنة وبأسعار معقولة، تعدّ الاستثمارات في البنية التحتية، وتحسين مرافق الصرف الصحي، وحماية النظم البيئية المائية، وتعزيز الوعي الصحي خطوات محورية.
كما يلعب المجتمع المدني دورًا مهمًا في تعزيز المساءلة، ودعم البحث والابتكار في مجال إدارة المياه، وتمكين النساء والشباب من المشاركة في إدارة الموارد.
الهدف السابع: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة:
تشير الإحصائيات إلى أنه بحلول عام 2030 سيظل نحو 660 مليون شخص دون كهرباء، وسيعتمد قرابة ملياري شخص على وقود ملوث للطهي، مما يؤكد أن التقدم نحو الطاقة المستدامة ما يزال بطيئًا. ولتحقيق الهدف السابع، يجب تسريع التوسع في الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتعزيز سياسات داعمة للتحول نحو أنظمة طاقة نظيفة وموثوقة.
ويساهم الاستثمار في البنية التحتية الخضراء، واعتماد تقنيات الطاقة النظيفة، وتقليل الانبعاثات عبر استخدام النقل العام والممارسات المنزلية الموفرة للطاقة، في دعم هذا التحول العالمي وضمان طاقة مستدامة وبأسعار معقولة للجميع.
الهدف الثامن: العمل اللائق ونمو الاقتصاد:
ويهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، وتوفير فرص العمل اللائق للجميع في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة.
ويتطلّب تحقيق هذا الهدف الاستثمار في التعليم والتدريب عالي الجودة، وإكساب الشباب المهارات التي تتوافق مع سوق العمل، إضافة إلى دعم تمكين المرأة اقتصاديًا وتوسيع فرص العمل المنتجة. كما تُعد سياسات الصحة والسلامة المهنية عنصرًا أساسيًا لضمان بيئة عمل آمنة وعادلة.
الهدف التاسع: الصناعة والابتكار والبنى التحتية:
يركّز الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة على تطوير بنية تحتية قوية، ودعم التصنيع المستدام، وتعزيز الابتكار باعتبارها عناصر أساسية للنمو الاقتصادي والاجتماعي. ويتحقق ذلك عبر الاستثمار في قطاعات النقل والطاقة والري والاتصالات، واعتماد التقنيات الحديثة وخفض الانبعاثات. كما يشمل وضع معايير تضمن استدامة المشاريع الصناعية وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما يدعم نموًا صناعيًا شاملًا يخدم المجتمعات على المدى الطويل.
الهدف العاشر: الحد من أوجه عدم المساواة:
يشكّل انعدام المساواة تهديدًا كبيرًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 1 من كل 5 أشخاص تعرض للتمييز لأسباب محظورة دوليًا، مع تأثر النساء والأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أكبر. ويشمل التمييز الدين، والعرق، والنوع الاجتماعي، والتفضيلات الجنسية، ما يبرز الحاجة الملحة لمعالجة الممارسات التمييزية وخطاب الكراهية.
ولتقليل عدم المساواة، يجب تبني تغيير شامل يشمل القضاء على الفقر والجوع، وزيادة الاستثمار في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والعمل اللائق، وتمكين الشباب والمهاجرين واللاجئين والفئات الضعيفة. كما يجب تعزيز النمو الاجتماعي والاقتصادي الشامل، وإزالة القوانين والسياسات التمييزية لضمان تكافؤ الفرص.
الهدف الحادي عشر: مدن ومجتمعات محلية مستدامة:
يركّز هذا الهدف على جعل المدن آمنة ومستدامة وشاملة للجميع، إذ يعيش اليوم نحو نصف سكان العالم البالغ عددهم 8 مليارات نسمة في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليصل إلى 70% بحلول عام 2050. ويعيش أكثر من مليار شخص في أحياء فقيرة أو ظروف مماثلة، مع توقع زيادة هذا العدد خلال العقود القادمة.
وتسهم المشاركة المجتمعية في تحسين جودة الحياة داخل المدن، فكل جهد يقوم به الأفراد والمجتمعات يعزز من استدامة المدن ويجعلها أكثر شمولية وأمانًا للأجيال الحالية والمقبلة. يمكن للأفراد مثلاً تقييم مدى أمان المدارس، وتوفر فرص العمل، ونوعية الهواء، وكفاءة وسائل النقل، وفعالية الأماكن العامة، والعمل على تحسينها.
"تسهم المشاركة المجتمعية في تحسين جودة الحياة داخل المدن، فكل جهد يقوم به الأفراد والمجتمعات يعزز من استدامة المدن ويجعلها أكثر شمولية وأمانًا للأجيال الحالية والمقبلة."
الهدف الثاني عشر: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان:
يركّز الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة على ضمان أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة للحفاظ على الموارد للأجيال الحالية والمقبلة، خاصة مع تزايد عدد سكان العالم المتوقع وصوله إلى 9.8 مليار نسمة بحلول 2050. ويشمل ذلك تبني سياسات حكومية وتشريعات تحد من النفايات، وتشجيع ممارسات إعادة الاستخدام والتجديد لتقليل الاستهلاك المفرط للموارد.
وتلعب الشركات التجارية دورًا مهمًا في ابتكار حلول جديدة تسهّل أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، مع فهم التأثيرات البيئية والاجتماعية للمنتجات والخدمات. كل هذه الجهود تسهم في تقليل البصمة البيئية وتحقيق رفاهية مستدامة للجميع.
الهدف الثالث عشر: العمل المناخي:
يشكّل تغير المناخ تهديدًا مباشرًا للتنمية المستدامة، إذ يعطل الاقتصاديات ويؤثر على حياة الناس وسبل عيشهم، خصوصًا الفئات الأكثر ضعفًا، وقد يؤدي إلى موجات هجرة جماعية ونزاعات. ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد شهد العقد 2010–2019 أعلى درجات حرارة مسجلة، مصحوبة بحرائق الغابات والأعاصير والجفاف والفيضانات، ما زاد من هشاشة المجتمعات.
يبرز هذا الهدف الحاجة الملحة لتكثيف الجهود العالمية والالتزام الكامل بالحد من آثار تغير المناخ وحماية الأرض وسكانها.
الهدف الرابع عشر: الحفاظ على الحياة تحت الماء:
يركّز هذا الهدف من أهداف التنمية المستدامة الـ 17، على حماية المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام. حيث وصل التلوث البحري إلى مستويات مقلقة مع وجود أكثر من 17 مليون طن متري من النفايات في المحيط عام 2021، وذلك بحسب الإحصائيات.
ويتطلب الحفاظ على المحيطات تعاونًا دوليًا لحماية الموائل البحرية وإنشاء مناطق محمية لإدارة التنوع البيولوجي، مثل اتفاقية التنوع البيولوجي لعام 2023. كما يمكن لكل فرد المساهمة محليًا عبر شراء المنتجات البحرية المستدامة، واستهلاك ما نحتاجه فقط، وتقليل استخدام البلاستيك لحماية البيئة البحرية.
الهدف الخامس عشر: الحفاظ على الحياة في البر:
يركّز الهدف الخامس عشر على حماية النظم البرية، وإدارة الغابات بشكل مستدام، ومكافحة التصحر، والحفاظ على التنوع البيولوجي. إذ إن فقدان الغابات يؤدي إلى تدهور الأراضي وزيادة انبعاثات الكربون وفقدان سبل العيش للمجتمعات الريفية، حيث تدهورت نحو 100 مليون هكتار من الأراضي الصحية سنويًا بين 2015 و2019، ما أثر على حياة أكثر من 1.3 مليون شخص.
يمكن لكل فرد المساهمة عبر إعادة التدوير، واستهلاك المنتجات المستدامة والمحلية، واحترام الحياة البرية من خلال المشاركة في السياحة البيئية المسؤولة. كما تلعب المناطق المحمية التي تُدار بشكل جيد دورًا حيويًا في الحفاظ على النظم الإيكولوجية وصحة الإنسان، مع ضرورة إشراك المجتمعات المحلية في تطويرها وإدارتها.
الهدف السادس عشر: السلام والعدل والمؤسسات القوية:
يعيش ملايين الأطفال في مناطق النزاع دون تعليم، ويتعرض نصف أطفال العالم للعنف سنويًا، ما يؤثر على صحتهم ونموهم ورفاههم، ويؤدي إلى إضعاف التنمية الاقتصادية وإطالة النزاعات بين المجتمعات.
يركّز هذا الهدف من أهداف التنمية المستدامة الـ 17، على إقامة مجتمعات مسالمة وضمان وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وشاملة وخاضعة للمساءلة. كما يضمن هذا الهدف حماية حقوق الإنسان، ويقضي على التمييز، ويعزز شعور الناس بالأمان.
وتركّز منصة "ساري" التابعة لمنار على تشجيع التطوّع، وتتضمن ضمن أولوياتها "العدالة الاجتماعية" كأحد محاور الاهتمام، كما يعمل برنامج مجتمع منار على بناء وعي بالمفاهيم المجتمعية مثل المشاركة المجتمعية والتنمية المجتمعية، ويضم جلسات حوارية حول القضايا الاجتماعية والتنموية، مما يُسهم في تعزيز المساءلة المدنية والمشاركة الشعبية.
الهدف السابع عشر: تحقيق ودعم الشراكات:
وحتى تتحقق أهداف التنمية المستدامة السابقة، يأتي هذا الهدف الذي يراد منه توحيد جهود الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان تقدم جميع الدول نحو تحقيق أهداف 2030 دون استثناء أحد.
ويشمل ذلك تعبئة الموارد المالية، وتطوير التكنولوجيا، وبناء القدرات، مع التزام الدول المتقدمة بدعم البلدان النامية. ويمكن لكل فرد المشاركة عبر تأسيس مجموعات محلية أو تشجيع التعاون بين الحكومات والشركات لتحقيق أثر مستدام ومشترك.
كيف تتكامل أهداف التنمية المستدامة الـ 17 مع بعضها؟
تتكامل أهداف التنمية المستدامة الـ17 مع بعضها البعض بحيث يدعم كل هدف الآخر في بناء مجتمع مستدام. فعلى سبيل المثال، القضاء على الفقر يساهم في تحسين الصحة والتعليم، كما أن الحفاظ على البيئة يعزز جودة الحياة ويضمن موارد للأجيال القادمة.
هذا الترابط يعني أن التقدم في هدف واحد يمكن أن يعزز أهدافًا أخرى، وأن تنفيذها بشكل متكامل يحقق أثرًا أكبر ويضمن تنمية عادلة ومستدامة للجميع.
في الختام، إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17 يتطلب جهدًا جماعيًا وتعاونًا مستمرًا بين الحكومات والمؤسسات والمجتمع المدني والأفراد. وكما تؤكد رؤية مؤسسة منار، فإن المشاركة المجتمعية والشراكات الفعّالة هي مفتاح نجاح هذه الأهداف، إذ تتيح لكل فرد المساهمة في تحسين مجتمعه وحماية البيئة وتعزيز العدالة الاجتماعية. من خلال المبادرات التطوعية، ودعم الشباب والنساء، وتبني ممارسات مستدامة، يمكننا جميعًا بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للأجيال الحالية والمقبلة.
"تؤمن منار أن المشاركة المجتمعية والشراكات الفعّالة هي مفتاح نجاح الأهداف الـ17، إذ تتيح لكل فرد المساهمة في تحسين مجتمعه وحماية البيئة وتعزيز العدالة الاجتماعية."



