لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر دون أن يشارك أفراده في صنع مستقبله. والشباب اليوم يمتلكون طاقة كبيرة ورغبة حقيقية في إحداث فرق. ومع ذلك، تكشف أرض الواقع عن فجوة بين هذه الإمكانات والفرص المتاحة للمشاركة الفعّالة.
بين غياب الوعي، وتحديات الثقة، وضعف الموارد، تظهر الحاجة إلى فهم أعمق للمعوقات التي تعترض طريق المشاركة المجتمعية وكيفية التغلب عليها.
نستعرض في هذا المقال أبرز التحديات أمام المشاركة المجتمعية، وأهم الحلول العملية لتعزيز مساهمة الأفراد والمؤسسات، مع دور منار في دعم المبادرات ونشر ثقافة المشاركة المستدامة.
ما هي المشاركة المجتمعية؟
المشاركة المجتمعية هي عملية تعاونية ومنهجية يساهم فيها الأفراد والجماعات ومؤسسات المجتمع المدني في الأنشطة والقرارات التي تمس حياتهم، بهدف تحقيق تحسينات ملموسة وبناء مجتمع أكثر تماسكًا وفعالية.
وتشمل هذه المشاركة تأثير المجتمع في السياسات والبرامج، وربط أفراده للعمل نحو هدف أو حل مشكلة مشتركة بما يضمن نتائج إيجابية ومستدامة.
ما أهمية المشاركة المجتمعية؟
وفقًا لمؤسسة منار، تُعدّ المشاركة المجتمعية أداة تمكّن المجتمع من لعب دور قيادي في تحقيق أهداف التنمية، وتنبع أهميتها من كونها:
تُعزّز الانتماء والشعور بالهوية المشتركة:
حيث تمنح المشاركة الشباب فرصة ليشعروا بأن أصواتهم مسموعة، وأن لهم دورًا حقيقيًا في تشكيل مجتمعهم.
تُنمّي القدرات وتبني الخبرات:
إذ أن المشاركة في التخطيط والتنفيذ والتقييم تمنح الشباب مهارات عملية في القيادة، وإدارة الموارد، والعمل الجماعي.
تعزّز حسّ المسؤولية والوعي:
يتحول الشباب من مجرد متابعين أو منتقدين إلى فاعلين مشاركين في حل مشكلات مجتمعهم.
دعم الصحة النفسية وتقليل العزلة:
تخلق المشاركة شبكة علاقات إيجابية، وتزيد من الإنتاجية والرفاه النفسي.
ابتكار حلول جديدة للمشكلات القديمة:
إشراك الشباب يفتح المجال لأفكار عصرية ومبادرات أكثر تأثيرًا واستدامة.
بناء مجتمع متماسك يتحمل مسؤولية مشتركة:
عندما يشارك الأفراد والمؤسسات والجماعات المحلية، يشعر الجميع بأنهم جزء من عملية التطوير لا مجرد مستفيدين منها.
تسريع مسار التنمية المستدامة:
المجتمعات ذات المشاركة النشطة تتقدم بخطى أسرع نحو حلول مبتكرة، وتنفيذ مبادرات تحقق أثراً طويل المدى.
"المشاركة في التخطيط والتنفيذ والتقييم تمنح الشباب مهارات عملية في القيادة، وإدارة الموارد، والعمل الجماعي."
ما هي ضوابط المشاركة المجتمعية؟
- الشفافية: عبر توفير معلومات واضحة حول الأهداف والأدوار وطرق اتخاذ القرار.
- المساواة وتكافؤ الفرص: إتاحة المشاركة لجميع الفئات دون تمييز.
- التطوع والمرونة والحوار: مشاركة قائمة على الرغبة الحرة وتراعي قدرات الأفراد.
- التخطيط التشاركي: مشاركة المجتمع في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم.
- المتابعة والتقييم: آليات واضحة للقياس والإعلان عن نتائج المشاركة.
- بناء القدرات: تدريب المشاركين على مهارات الاتصال والعمل الجماعي واتخاذ القرار.
- إدارة فعّالة للموارد: تخصيص موارد تضمن الاستدامة وجودة المبادرات.
ما هي التحديات والمعوّقات التي تواجه المشاركة المجتمعية؟
أولًا: التحديات الاجتماعية والثقافية:
- ضعف الوعي والمعرفة بأهمية المشاركة المجتمعية ودورها في تحسين الحياة.
- اللامبالاة والمواقف السلبية، فقد ينشأ شعور بأن المشاركة لن تحدث فرقًا، أو أن الأفراد لن يُؤخذوا على محمل الجد.
- التفكك الأسري وضعف الروابط الاجتماعية، حيث يؤثر التغير في بنية الأسرة والاندماج في المجتمع على مشاركة الأفراد.
- تراجع القيم التقليدية وزيادة الفردية الذي يؤثر على الرغبة في المشاركة المجتمعية.
- الحواجز الثقافية التي تعيق التواصل والتفاهم المتبادل بين أفراد المجتمع.
- العادات والتقاليد التي تقلّص الدور المجتمعي لبعض الفئات وتحدّ من مشاركتها: مثل النساء، والأشخاص ذوي الإعاقة، وسكان المناطق البعيدة.
ثانيًا: التحديات المؤسساتية:
- انعدام الثقة والشفافية، الأمر الذي قد يحجم الأفراد عن المشاركة.
- ضعف التنسيق ونقص المهارات اللازمة لتنظيم العمل الجماعي.
- عدم توفير برامج تدريبية كافية للمتطوعين قبل تكليفهم بالعمل.
- ضعف الهياكل التنظيمية الخاصة بإدارة المتطوعين والاهتمام بشؤونهم.
- عدم وجود قنوات تواصل واضحة، ما يؤدي إلى سوء فهم بين الشركاء حول الأهداف والموارد المطلوبة.
- غياب آليات واضحة للمتابعة والتقييم، ما يحد من تحسين جودة المشاركة.
ثالثًا: التحديات الاقتصادية:
- نقص التمويل وعدم استدامة الموارد الخاصة بالمبادرات المجتمعية.
- غياب الكوادر المتخصصة أو المدربة على إدارة عمليات المشاركة.
- قد يمنع انخفاض مستوى المعيشة أو الدخل المحدود الأفراد من تخصيص وقت أو موارد للمشاركة.
- انتشار البطالة التي تحد من قدرة الأفراد على الانخراط في المبادرات المجتمعية.
رابعًا: التحديات السياسية:
- غياب الدعم الحكومي، فقد يؤدي عدم وجود سياسات تشجع التحفيز والمشاركة من الدولة إلى إضعاف مشاركة المواطنين.
- ضيق الفضاء المدني ووجود قيود على حرية التنظيم والتعبير.
- غياب الأطر القانونية التي تضمن مشاركة فعّالة وشفافة.
- ضعف المساءلة، ما يؤدي إلى فجوة ثقة بين المجتمع والمؤسسات.
- غياب آليات تنسيق بين الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، الأمر الذي يخلق تناقضات في الخطط ويعيق مشاركة المواطنين
خامسًا: تحديات تقنية ورقمية:
- الفجوة الرقمية التي تمنع كثيرين من الانخراط في المشاركة الإلكترونية.
- انخفاض مستوى المهارات الرقمية لدى بعض الفئات، خاصة في المجتمعات الريفية أو الأقل تعليماً.
- محدودية البنى التحتية اللازمة لتنفيذ أدوات تشاركية رقمية فعّالة.
كيف تؤثر هذه التحديات على تحقيق المشاركة المجتمعية؟
تنعكس التحديات المرتبطة بالمشاركة المجتمعية بشكل مباشر على قدرة الأفراد والمجتمعات على الانخراط الفعّال في المبادرات التنموية. فضعف الوعي وغياب المعلومات يقللان من استعداد المواطنين للمشاركة ويحدّان من قدرتهم على اتخاذ قرارات مبنية على معرفة.
كما يؤدي نقص الثقة بين المجتمع والمؤسسات إلى تراجع الدافعية للمساهمة في العمل العام، ما يخلق فجوة تعيق بناء شراكات حقيقية.
أما التحديات الهيكلية مثل ضعف الموارد، أو غياب الأطر القانونية الواضحة، أو محدودية قنوات المشاركة، فتؤثر على استدامة الجهود التطوعية وتحدّ من وصول الفئات المختلفة إلى فرص المشاركة.
وفي المجمل، تتسبب هذه التحديات في إبطاء وتيرة التنمية وتقييد دور المجتمع كشريك رئيسي في صنع الأثر.
"ضعف الوعي وغياب المعلومات يقللان من استعداد المواطنين للمشاركة المجتمعية ويحدّان من قدرتهم على اتخاذ قرارات مبنية على معرفة."
كيف نواجه تحديات المشاركة المجتمعية؟
التجارب الدولية والعربية تؤكد أن تجاوز تلك التحدّيات أمرًا ممكنًا وقابلاً للتحقق عبر استراتيجيات تجمع بين الوعي والتخطيط والشراكة.
فالمجتمعات التي تتبنى نماذج مشاركة فعّالة تنجح بفضل منظومة حلول متكاملة تشمل التمكين المجتمعي، وتطوير المؤسسات، وتوفير بيئة تشريعية داعمة، والاستفادة من التكنولوجيا.
ومن خلال تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات، وتوفير أدوات واضحة للمشاركة، وتمكين الفئات المختلفة، يصبح المجتمع أكثر قدرة على توجيه طاقاته نحو التنمية المستدامة وصنع تأثير حقيقي.
وفيما يلي أبرز الحلول الممكنة للتغلب على هذه التحديات:
أولًا: حلول اجتماعية وثقافية:
- رفع الوعي بأهمية المشاركة المجتمعية عبر حملات توعوية، ومحتوى إعلامي مبسّط، وبرامج شبابية تعرّف بفرص المشاركة وأثرها.
- تعزيز الانتماء المجتمعي والقيم الداعمة للمشاركة مثل العمل الجماعي والمسؤولية المجتمعية والتطوع عبر برامج شبابية.
- إعادة بناء الروابط الاجتماعية عبر مبادرات تعمل على تقوية العلاقات داخل الحي أو المدرسة أو المؤسسات المحلية.
- العمل على إزالة الحواجز الثقافية بتنفيذ فعاليات مشتركة بين الفئات المختلفة داخل المجتمع.
- تمكين الفئات الأقل مشاركة مثل النساء وذوي الإعاقة وسكان المناطق الطرفية من خلال مساحات آمنة وفرص مخصصة لمشاركتهم.
ثانيًا: حلول التحديات المؤسساتية:
- تعزيز الشفافية وبناء الثقة عبر تحديد الأدوار، وتبادل البيانات مع المجتمع.
- تطوير مهارات العاملين في المشاركة المجتمعية عبر تدريبهم على إدارة الفرق، والتواصل، وحل المشكلات.
- تصميم برامج تدريبية للمتطوعين تسبق العمل الميداني لضمان جودة المشاركة ورفع جاهزية المتطوعين.
- تحسين الهياكل التنظيمية الخاصة بإدارة المتطوعين، بما يشمل المتابعة والتحفيز والتقدير.
- إنشاء قنوات تواصل واضحة وفعّالة بين المؤسسات والأفراد.
- وضع آليات متابعة وتقييم تقيس أثر المشاركة وتساعد على تطوير أنشطة المجتمع المدني.
ثالثًا: حلول التحديات الاقتصادية:
- تنويع مصادر التمويل من خلال شراكات مع القطاع الخاص، ومنح دولية، وتمويل جماعي.
- بناء قدرات كوادر المجتمع المدني عبر برامج تدريبية متخصصة في إدارة المشاريع والتخطيط المالي.
- تقديم حوافز بسيطة للمشاركين مثل شهادات، تدريب، أو فرص تطوير مهني، خاصة للفئات ذات الدخل المحدود.
- دمج المشاركة المجتمعية بالفرص الاقتصادية مثل مبادرات ريادة الأعمال الاجتماعية أو مشروعات تشغيل الشباب.
رابعًا: حلول التحديات السياسية:
- الدعوة لسياسات داعمة للمشاركة المجتمعية عبر الحوار مع الجهات الرسمية والمنظمات الدولية.
- تعزيز الفضاء المدني الآمن من خلال مبادرات تشجع حرية التعبير وتنظيم الفعاليات المجتمعية.
- تطوير الأطر القانونية التي تنظّم العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، وتضمن وضوح الصلاحيات.
- تعزيز المساءلة المجتمعية عبر لجان متابعة، وآليات لاستقبال شكاوى المواطنين.
- تفعيل التنسيق بين القطاعات الثلاثة (الحكومة – القطاع الخاص – المجتمع المدني) لضمان تكامل الخطط والموارد.
خامسًا: حلول التحديات التقنية والرقمية:
- ردم الفجوة الرقمية عبر توفير تدريب مجاني أو منخفض التكلفة على المهارات الرقمية الأساسية.
- بناء بنية تحتية رقمية داعمة تساعد المؤسسات على تنفيذ عمليات تشاركية عبر الإنترنت.
- تصميم أدوات مشاركة رقمية بسيطة وسهلة الاستخدام لضمان وصول جميع الفئات لها.
- تعزيز الثقافة الرقمية عبر حملات تعليمية تشجّع المواطنين على استخدام التكنولوجيا للمشاركة وصناعة القرار.
من يشارك في وضع وتطبيق هذه الحلول؟
تطبيق حلول المشاركة المجتمعية ليس مسؤولية جهة واحدة، بل هو عملية مشتركة تتكامل فيها أدوار أطراف عدّة:
أولاً: الأفراد:
يمثلون نقطة البداية عبر الوعي والمبادرة والمشاركة في الفعاليات المجتمعية.
ثانيًا: منظمات المجتمع المدني:
تقوم بتنظيم الجهود وبناء القدرات، وتوفير منصات للحوار والعمل المشترك.
ثالثًا: الجهات الحكومية:
تتولى مسؤولية وضع السياسات الممكّنة، وتوفير بيئة قانونية وآمنة تُشجّع المشاركة.
رابعًا: القطاع الخاص:
من خلال دعم المبادرات، وتبنّي ممارسات مسؤولة اجتماعيًا، وتوفير فرص مشاركة وتمويل مستدام.
خامسًا: المؤسسات التعليمية:
تلعب المؤسسات التعليمية، كالمدارس والجامعات، دورًا مهمًا وواضحًا في غرس ثقافة المشاركة المجتمعية، وذلك من خلال:
- دمج مشاريع الخدمة المجتمعية في المناهج، ليطبق الطلاب ما يتعلمونه في سياقات واقعية.
- بناء شراكات مع مؤسسات المجتمع المدني لتوفير فرص تطوعية حقيقية للطلاب.
- تمكين الطلاب وإشراكهم في اتخاذ القرارات داخل المدرسة أو الجامعة لتعزيز شعورهم بالمسؤولية.
- فتح مرافق المؤسسة التعليمية وخدماتها أمام المجتمع، مما يجعلها مركزًا نشطًا للدعم والتعلم.
عندما تتكامل جهود جميع الأطراف، تصبح المشاركة المجتمعية ممكنة وفعّالة وقادرة على إحداث أثر مستدام.
"تلعب المؤسسات التعليمية دورًا مهمًا في غرس ثقافة المشاركة المجتمعية، من خلال دمج مشاريع الخدمة المجتمعية في المناهج، ليطبق الطلاب ما يتعلمونه في سياقات واقعية."
كيف تسهم منار في تجاوز معوّقات المشاركة المجتمعية؟
- من خلال برامجها المجتمعية وورش العمل التفاعلية، والمبادرات التي تنفّذها، تسهم منار في نشر الوعي وتعزيز الانتماء بين الشباب وربطهم بقضاياهم المحلية.
- تعمل منار على بناء قدرات المؤسسات المحلية عبر تدريبات متخصصة في التواصل وإدارة الفرق، كما تتيح منصاتها ومساحاتها المجتمعية فرصًا للتنسيق بين الجهات الفاعلة في المجتمع.
- من خلال دعم المبادرات المجتمعية وتنظيم فعاليات تشبيك، تساعد منار في خلق فرص جديدة للشباب وتمكينهم اقتصاديًا.
- تسهم منار في تعزيز الحوار بين المجتمع المحلي والجهات الرسمية عبر مبادرات تشاركية تشجع على التعبير المسؤول والمساءلة المجتمعية.
- تعمل منار على ردم الفجوة الرقمية، وتوفر منصاتها لتكون مساحة مفتوحة للمبادرات المجتمعية ونشر الأفكار، كمنصة "ساري" و"بدار" وغيرها.
ختامًا، فإن بناء مشاركة مجتمعية فعّالة ليس مهمة عابرة، بل هو مسار ممتد يحتاج إلى وعي وتخطيط وشراكات حقيقية. ورغم التحديات المتعددة، تثبت التجارب الناجحة أن التغيير ممكن ومتاح للجميع.
فلنكن جزءًا من هذا التغيير!
شارك في المبادرات المحلية، وادعم برامج المجتمع، وساهم بفاعلية في صنع أثر ملموس يدوم للأجيال القادمة.



