على الرغم من أن مفهومي المشاركة المجتمعية والشراكة المجتمعية يتشابهان لفظيًا، إلا أنهما يختلفان اختلافًا جوهريًا في المضمون والأثر. فالمشاركة تركز على تمكين المجتمع من التعبير عن صوته والمشاركة الفعّالة في صنع القرار، بينما تُعنى الشراكة بالتعاون المنظّم بين المؤسسات والقطاعات المختلفة لتوحيد الموارد والخبرات وتحقيق نتائج أوسع.
وانطلاقًا من التزام مؤسسة منار بتعزيز التنمية المستدامة الاجتماعية، يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الفروق الأساسية بين المفهومين، مع إبراز كيفية الاستفادة منهما بفاعلية في إحداث أثر ملموس يلبي احتياجات المجتمع ويعزز مشاركته.
ما هو مفهوم المشاركة المجتمعية؟
المشاركة المجتمعية هي عملية منهجية وتعاونية تتيح لأفراد المجتمع وجماعاته الإسهام في الأنشطة والقرارات التنموية التي تؤثر على حياتهم. من خلال الاستماع لآراء المجتمع ودمجها في تصميم البرامج وتنفيذها، تُعزز المشاركة دور المجتمع في توجيه التنمية وتحقيق حلول أكثر ملاءمة واستدامة.
ووفقًا لتعريف مؤسسة منار، تمكّن المشاركة المجتمعية الأفراد والفرق من الانتقال من حالة المستفيدين إلى مشاركين نشطين في قيادة التغيير، بما يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا وفعالية.
"المشاركة تركز على تمكين المجتمع من التعبير عن صوته، والمشاركة الفعّالة في صنع القرار، بينما تُعنى الشراكة بالتعاون المنظّم بين المؤسسات والقطاعات المختلفة لتوحيد الموارد والخبرات"
ما هو مفهوم الشراكة المجتمعية؟
تُعرَّف الشراكة المجتمعية بأنها إطار تعاون استراتيجي يجمع بين جهات متعددة، سواء كانت منظمات غير ربحية أو مؤسسات حكومية أو كيانات من القطاع الخاص، لتحقيق أهداف مشتركة تعود بالنفع على المجتمع. تقوم هذه الشراكات على مبدأ المنفعة المتبادلة وتمكن الأطراف المختلفة من تحقيق نتائج تنموية تتجاوز ما يمكن لأي جهة تحقيقه بمفردها.
وتتجسد الشراكة المجتمعية في اتفاق واضح بين الأفراد والمجموعات والمنظمات للعمل جماعيًا لتنفيذ مهمة أو تلبية التزام محدد، مع تقاسم المسؤوليات والفوائد، والالتزام بمراجعة العلاقة وآليات التعاون بشكل دوري لضمان استدامتها وفاعليتها.
وإذ تنظر مؤسسة منار إلى الشراكة المجتمعية باعتبارها نهجاً استراتيجيّاً يجمع بين المنظمات والأفراد بهدف تحقيق أثر أوسع وأكثر استدامة، فإنها تعتمد خبرتها في تطوير شراكات مخصصة ومنهجيات استشارية لتعزيز القدرات المؤسسية وبناء منصات تفاعلية، مثل "بدار" و"إمكان"، تدعم تنفيذ مبادرات مشتركة ذات أثر طويل الأمد.
أنواع الشراكات المجتمعية:
هناك ثلاث أنواع مختلفة من الشراكات المجتمعية مع مختلف النتائج المتوقعة وهي:
- الشركاء الربحيون: الشركات الصغيرة والكبيرة.
- الشركاء غير الربحيين: المنظمات غير الربحية والجمعيات الخيرية والمؤسسات الدينية.
- الهيئات التي تقودها الحكومة ومنظمات دعم المجتمع: المسؤولون المحليون والدولة والمدارس والشرطة والمكتبات والرعاية الصحية ومقدمي الخدمات.
أهداف الشراكة المجتمعية:
- دعم الصالح العام وتعزيز جودة الحياة داخل المجتمع.
- تنفيذ مبادرات مشتركة تحقق منافع متبادلة للشركاء والمجتمع.
- التركيز على تنمية القدرات بدلًا من الاقتصار على الدعم المالي.
- تعزيز الاستدامة من خلال تمكين المجتمع وتطوير موارده.
- توحيد الجهود بين الجهات المختلفة لإحداث أثر إيجابي ملموس.
استراتيجيات تعزيز فاعلية الشراكات المجتمعية:
- فهم ثقافة العمل وأساليب الإدارة بين الشركاء والتكيف معها.
- تحديد الأهداف والمسؤوليات ومدة التعاون منذ البداية.
- وضع هيكل تنظيمي واضح، يشمل توزيع الأدوار وإدارة الموارد، وآليات التعامل مع التحديات.
- الاتفاق على أساليب التواصل ومراجعتها بانتظام، حتى في النقاشات الصعبة.
- تحديد الجداول الزمنية والمخرجات وخطط التقييم، مع مراجعتها بشكل دوري.
- تقييم الشراكة لتحديد فرص الاستمرار أو إنهاء المشروع بطريقة مفيدة، مع مشاركة الدروس المستفادة.
ما هي أوجه التشابه بين المشاركة المجتمعية والشراكة المجتمعية؟
تتشابه المشاركة المجتمعية والشراكة المجتمعية في كونها مبنية على أسس علمية، وذات رؤية واضحة وركائز متينة، وبأن أهدافها تخدم أهداف التنمية المستدامة. وتتجلى أوجه التشابه بشكل أوضح فيما يلي:
1. الهدف المشترك: تحقيق نتائج تنموية ملموسة تسهم في رفاه المجتمع وتحسّن نوعية حياته، وذلك سواء عبر إشراك الناس في اتخاذ القرار، أو عبر تعاون مؤسسي واسع.
2. تعزيز الاستدامة: المشاركة تمنح المبادرات قبولًا مجتمعيًا، والشراكات تمنحها قوة تنفيذية وتمويلية، والاثنان معًا يضمنان استمرارية البرامج على المدى الطويل.
3. الاعتماد على التشاركية: كل من المشاركة والشراكة يقومان على مبدأ العمل التشاركي، وبناء الثقة، واحترام الأدوار، وضمان وجود آليات للحوار والتغذية الراجعة.
ما هي أبرز الفروقات بين المشاركة المجتمعية والشراكة المجتمعية؟
الجهات المشاركة:
تشير المشاركة المجتمعية إلى إشراك أفراد المجتمع ومجموعاته المحلية (كالقادة المحليين، والشباب، والنساء، والفئات الهشّة)، في عمليات التخطيط والتنفيذ وصناعة القرارات.
بالمقابل، تَجسِّد الشراكة المجتمعية تعاونًا بين مؤسسات وقطاعات متعددة (جهات حكومية، منظمات مجتمع مدني، قطاع خاص، مؤسسات أكاديمية وغيرها)، يهدف إلى توحيد القدرات والموارد لتحقيق أهداف مشتركة على نطاق أوسع.
طبيعة العلاقة:
تتسم المشاركة المجتمعية بعلاقة تفاعلية مرنة يمكن أن تكون مؤقتة أو مستمرة، وتركّز على آليات التواصل والاستشارة والتمكين المجتمعي ضمن دورة المشروع.
أما الشراكة المجتمعية فتميل إلى الإطار المؤسسي والرسمية، وتُنظّم عادة باتفاقيات أو مذكرات تفاهم تحدد الأدوار وآليات المساءلة، لأن إنجاز مشروعات كبيرة يتطلّب تنسيقًا ومساءلة بين الشركاء.
الأهداف والأثر:
تتركّز المشاركة المجتمعية على التأثير المباشر في القرارات والبرامج من خلال رفع صوت السكان وملاءمة التدخّلات لاحتياجاتهم، ما يعزّز القبول والاستدامة المحلية.
في المقابل، تسعى الشراكات المجتمعية إلى تحقيق أثر تنموي أوسع عبر جمع الموارد والخبرات لتوسيع نطاق الخدمات أو تنفيذ مبادرات على مستوى السياسات أو البنية المؤسسية، مما يمكّن من تحقيق نتائج تتجاوز إمكانيات أي جهة بمفردها.
مستوى المساءلة:
في إطار المشاركة المجتمعية، تتركّز المساءلة على العلاقة بين المؤسسة والمجتمع: آليات التغذية الراجعة، الشفافية، وسبل تمكين السكان من متابعة تنفيذ ما وُعِدوا به.
بينما تقوم الشراكات المجتمعية على مساءلة متبادلة بين الشركاء، من خلال اتفاقيات أداء ومؤشرات قياس واضحة، لضمان تنفيذ الالتزامات وتقاسم المخاطر والعوائد.
ما هو دور المفهومين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
يتجلى دور كل من المشاركة المجتمعية والشراكة المجتمعية في تحقيق التنمية المستدامة من خلال:
- المشاركة المجتمعية: تسهم في تعزيز الملكية المحلية للمشاريع، وزيادة الشفافية، وضمان ملاءمة التدخلات للمجتمع، والحد من المخاطر الناتجة عن سوء التقدير أو سوء التواصل، ودعم مبدأ “عدم ترك أحد خلف الركب”.
- تُعدّ "الشراكة المجتمعية" أحد أعمدة الهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة، وهي تساعد على:
- تعبئة الموارد المالية والبشرية والتقنية
- سد الفجوات بين قدرات المؤسسات وحدود إمكانياتها.
- ضمان القدرة على التوسع والوصول لفئات أوسع.
- تحقيق تكامل استراتيجي بين القطاعات.
ما رؤية مؤسسة منار حول الاستفادة من المفهومين؟
ترى مؤسسة منار أن التكامل بين المشاركة المجتمعية والشراكة المجتمعية هو أساس العمل التنموي الناجح. ويمكن أن يتحقق هذا التكامل عبر:
- بناء تدخلات تبدأ من صوت المجتمع: أي مشروع أو برنامج يجب أن ينطلق من فهم احتياجات المجتمع، عبر جلسات استماع ومشاورات وتقييمات تشاركية.
- تصميم شراكات مبنية على هذه الرؤية: بعد تحديد الاحتياجات، تُقام شراكات مؤسسية تحقق القدرة على التنفيذ، وتوفّر الخبرات والموارد، وتضمن اتساع نطاق الفائدة.
- المتابعة والمساءلة المشتركة: المجتمع يحدد الاحتياجات، والشركاء ينفذون، والمؤسسة تتولى الحوكمة والمساءلة.
- ضمان دورة تعلم مستمرة: التعلم من التجارب، تقييم الشراكات، وتطوير آليات المشاركة، بما ينسجم مع مبادئ التنمية المستدامة.
إن الجمع بين المشاركة المجتمعية والشراكات المؤسسية هو المفتاح لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة. فنجاح أي مبادرة يعتمد على تمكين المجتمع من التعبير عن احتياجاته، وتوحيد الموارد والخبرات عبر شراكات استراتيجية، لضمان أثر طويل الأمد وفعّال.
وفي منار، ندعو شركاءنا وأفراد المجتمع إلى المشاركة والتفاعل مع برامجنا ومبادرتنا، سواء من خلال تقديم الأفكار أو الانخراط في المشاريع، أو حتى دعم الشراكات القائمة.
معًا، يمكننا بناء مجتمع أكثر استدامة وعدلاً وفرصًا للجميع!
"إن الجمع بين المشاركة المجتمعية والشراكات المؤسسية هو المفتاح لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة."



